الحرية والعبودية
-------------------
عشقت الحرية حتى ظننت أن لا حياة بدونها ، وعشقت الحرية أكثر من أي شيئ آخر حتى ظننت أن لا كرامة لأحد بدونها ، وعشقت الحرية حتى نسيت بسببها كل شيئ ، عشقت الحرية حتى قال عنى أقرب الناس إلي ، لقد جن الشيخ ، ذلك لأن العاشق ليست لديه حجة ، ولكن لديه حب وكرامة ، له سلوك يختلف عن سلوك غالب الناس ، ولا تسأل الناس عن السبب ، ولكن إسأل المجرب ، لماذا دخل السجن العاشق ؟ ولماذا ترك العاشق الوطن والأهل ؟ ولماذا اختار العاشق الطريق الأصعب ؟
هناك من يدعى العشق بالحرية بلا دليل ، وهناك من يحب الحرية بلا معاناة ، فالإدعاء مسألة سهلة ، ولكن العيش فى قفص الحب والعشق شيئ آخر ، فى قلبى عشق للحرية ، وفى فؤادى هوى للحرية ، وفى ذاتى انحياز للحرية .
أعبد الله وحده ، لأننى وجدت ذاتى فى الحرية ، وفى الحرية وجدت الله وحده ، وحينها عبدت الله دون غيره ، هنا فقط وجدت ذاتى ، لأننى شعرت فيه الحرية الكاملة ، لست تابعا لأحد ، تركت كل الأصنام ، وما أكثرها !! كسرت كل الأوثان ، وما أكثرها !! ، نجحت أن أتحرر من عبودية الطغيان الفكري ، فلا انبهر لفكرة أحد ، بل أناقش الفكرة بالحجة والدليل ، البرهان هو طريقى نحو الحرية ، والحرية هى وسيلتى نحو العبودية لله ، والعبودية هي الحرية ، والحرية هي العبودية ..
من عشق الحرية تحرر من العبودية بكل أشكالها ، ومن هام فى الحرية نسي الحسابات الضيقة فى عالم الأفكار ، المشكلة ليست فى الأفكار ، ولكنها فى السلوك ، نحن نحب الحرية لأنفسنا ، ولكننا أنانيين حتى فى عشق الحرية ، نريد الحرية بلا معايير مزدوجة ، الحرية للشعب الفلسطيني ، والسوري ، والعراقي ، والليبي ، والجيبوتي ، والصومالي ، والسوداني ، والكيني ، والإثيوبي .
الحرية للجميع ، فلا حرية مع وجود الإستعمار ، ومع وجود الإستبداد ، ومع وجود الإستغفال ، ومع وجود الإستحمار ، لا كرامة لشعب ليس له سيادة على حكامه ، ولا كرامة لحاكم ليس له سند قوي من الداخل ، ولا كرامة لفرد لا يملك قراره ، ولا كرامة لمثقف لا يملك رأيه ، ولا كرامة لفنان جعل ضميره ساحة للسياحة ، فمن أنفق أكثر يستحق منه مدحا وتقديسا ، ولكنه يكون منبوذا من ضمير المجتمع .
كونوا أحرارا لتكونوا أرقاما صعبة ، قد يكون الحر منسيا لحظة ما ، ولكنه يعود إلى التاريخ من الباب الشرعي ، والدليل هو ابن تيمية رحمه الله الذي مات فى السجن بسبب علماء السلطة ، ولكنه اليوم عاد إلى الحياة باعتباره مرجعية عالمية ، والناس اليوم يعرفون قيمة جارودي ، وعلى عزت بيجوفيتش ، وإدوارد سعيد ، والمسيري ، والغزالي ، فهذه العقول لا تعرف التردد ، ولكنها تعرف الهدف ، فهم نجوم الحرية بلا منافس .
لا تخافوا من الحرية ، فلا بديل عنها إلا العبودية ، الحر يأخذ القرار مرة واحدة ثم يمضى ، ولكن العبيد يأخذون القرارت المتضادة ، ويعيشون فى المساء بروح ، وفى النهار بروح ، هم أشخاص فى شخص ، بينما الحر يبقى شخصا فى شخص ، فهو سعيد .
عش حياتك كما تريد ، لا كما يراد لك ، لا تكن متلونا ، كن ذاتك ، فلا تسمع لما يقال ، اسمع ضميرك ، فهو الصادق معك ، ولا تعش مع الناس فى أفكارهم ، فالناس لا يصنعون أفكارهم ، وإنما يتبعون أفكار الناس ، ابحث الحقيقة وانت حر ، واقرأ الأفكار وأنت حر ، وناقش احبابك وأنت حر ، ، ، لا تخش الحرية مهما كانت صعبة ، وأهرب من العبودية كما تهرب من الأسد ، بل هي أخطر منه فى الفتك .
عشقت الحرية لذاتها ، وعلمت أن الجهل لأهميتها عدو الحرية ، فالحرية كما يقول فيكتور هيجو تبدأ من حيث ينتهى الجهل ، والجهل هنا ليس العيش فى قفص الأمية ، وإنما هو جهل عن الكرامة ، ومتطلبات الحرية ، لدينا حملة شهادات عليا ، ولكنهم منغمسون فى وحل العبودية ، العبودية المختارة ، وقد تكون الشهادة ورقة استخدام ، وليست ورقة تشهد له العلو والرفعة والكرامة ، لا نهضة بدون حرية ، يجب أن نجعل الحرية عنوانا نجتمع عليه ، ثم نفترق ليحمل كل واحد منا فكره ورأيه ، لا إكراه فى الدين ، ولا إكراه فى السياسة والدعوة ، هذا هو طريق الكبار ، أما الصغار فيبحثون دوما عن كبار يكونون عليهم أوصياء ، وقد ذكر على عزت بيجوفيتش فى كتابه ( الإسلام بين الشرق والغرب ) أن لا أحد يكون وصيا على أحد ، وله كتاب جميل بعنوان ( هروبى نحو الحرية ) ، فهو مكون من مقالات جميلة ورائعة كتبها حين عاش فى السجن حرا ، ولكنه كان فى نظر الناس مسجونا .
أنا لا أبحث عن الحرية التى لها مقابل ، الحرية وحدها هي المقابل ، لا أبحث عن الحرية التي استفيد منها ، بل الحرية التي تفيدني ، وتفيد الجميع ، لأن العبودية حين تختفى ،فهي مصلحة للجميع ، لا سيد فى مقابل العبد ، ولا مالك فى مقابل المملوك ، الكل سواء أمام القانون ، هذه هي قمة الجمال فى الحياة ، ولهذا شعر بلال بن رباح رضي الله عنه السعادة المطلقة حين دخل دين الحرية ( الإسلام ) .
الاسلام دين الحرية
ردحذف